صبا مبارك : المواطن العربي كسر حاجز الخوف
Page 1 of 1
صبا مبارك : المواطن العربي كسر حاجز الخوف
صبا مبارك : المواطن العربي كسر حاجز الخوف
خبرني- قدمت الفنانة صبا مبارك العديد من
الأدوار في الدراما العربية والسورية خاصة، وقدمت أعمالا لأهم المخرجين
الكبار، وهي التي تؤمن بأن إرادة التغيير عند الشعوب بدأت ولن تتوقف، وفي
مسرحية 'الحادثة' التي شاركت فيها تتحدث المسرحية بالتلميحات والانتقادات
الاجتماعية والسياسية على ما يحدث في مجتمعنا العربي.
صحيفة القدس العربي اجرت معها الحوار التالي الذي نشر الاثنين :
* بغض النظر عن تاريخك الفني في السينما أم
الدراما، لكن احتراما للشباب والشابات الذين بدؤوا مسيرة التغيير الشامل
بإزالة الخوف من أنفسنا، سوف نبدأ من الشارع العربي مع الاحتجاجات
والثورات، كيف تنظرين إلى هؤلاء الشباب وهذه الشجاعة التي قدموها وما زالوا
يقدمونها لإزالة الحكام الدكتاتوريين؟
* 'هي أن الفكرة بعيدا عن فكرة الثورة
بذاتها، إذا بدأنا نحكي عن الثورة، أنا أظن أن المهم الذي صار اليوم في
الشارع العربي صار كما قلت في كسر للفوبيا (عقدة الخوف)، بمعنى لم يعد عند
المواطن العربي رعب بأن يقول ما يحس به، ولا رعب بأن يطالب بتغيير واقعه
الغير سليم بالنسبة له، وقد بدأت إرادة التغيير عند الشعوب. إذن نحن مش
قطيع، نحن مش ناس ميتين، أو ناس مخدرين، نحن ناس نحس ولنا آمال وطموحات،
وعندنا إرادة لصنع مستقبل أفضل.
هذا الشيء الذي يجعل أي شاب أو صبية، وبعيدا
عن الأسباب، يطلعون إلى الشارع. أما الثورة، إذا أردنا أن نحكي عنها بشكلها
الواضح والمباشر ما هي إلا خطوة بداية.
وأنا برأيي أن الأهم ما يأتي بعد ذلك. وإذا
الشباب العربي كان قادرا أن يغير شكل المرحلة الحاضرة، لازم أن يكون حذرا
كثيرا وآمنا على مستقبل هذا التغيير الذي عمله للمستقبل. البلاد التي غيرنا
وجهها كشباب عربي، لازم نحافظ عليها حتى لا نفقد هويتها، ولا نفقد هذا
الحلم الذي كنا نسعى له بالحرية والعدالة، حتى ما نفقد هذا ويبقى أنه كان
هدفنا أن نطيح باسم ونجيب اسما آخر محله، ليست هذه هي المسألة'.
* كفنانة من فلسطين لذلك سيكون سؤالي التالي
عن فلسطين، هل قضية فلسطين ما زالت كما كانت دائما في قلوب الأجيال العربية
تنمو معهم وتترسخ مع كل جيل جديد؟ وكيف سيكون تأثير الشارع العربي برأيك
على القضية الفلسطينية وعلى وضع إسرائيل كقوة سياسية متغطرسة في المنطقة؟
* 'أول خاطر خطر لي مع أول ثورة صارت في
تونس، دائما كان يخطر لي بأن هذه الثورات سوف تنتهي بانتفاضة فلسطينية
ثابتة، لأنه وبعيدا عن كل ما يصير وفي اللحظة التي ننسى فيها أن قضيتنا
المركزية هي فلسطين، مش لأني فلسطينية، أنا والدتي فلسطينية وأبي أردني على
فكرة، لكن هذا لا يعني أني أنا مش فلسطينية، كل مواطن عربي بداخل قلبه هو
فلسطيني بشكل أو بآخر، هذه قضية هي قضيتنا المركزية.
أما هذه الغطرسة الإسرائيلية فهي التي جعلت
كل العالم كأنه مغفل ومغمض عيونه عن حقيقة فلسطين. لما نرى اليوم القوى
الغربية تساند أي ثورة وتحكي عن حقوق الأطفال الذين يقتلون في الشارع، ولكن
بنفس الوقت عندهم حالة إنكار شديدة جدا لحقوق الطفل الفلسطيني الذي يقتل
كل يوم من أكثر من ستين سنة في الشارع.
وبالوقت الذي نطالب فيه بدولة فلسطينية يكون
من يقف ضدنا هو نفسه الذي رفع الفيتو من سنين طويلة، وهو نفسه الذي يتشدق
اليوم بحرية الشعوب.
المعادلة بالنسبة لي مركبة، ومش لازم تنطلي
على الناس وعلى المواطن بالشارع، لازم نتذكر دائما أن هناك قوى إمبريالية
في العالم لا تريد لدولة فلسطين أن تقوم. لما نحكي عن دولة فلسطين، لازم
ننتبه أن الشعب الفلسطيني هو واحد، أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني،
وأن المقاومة لا يجب أن توسم بالإرهاب، وأن العالم لحد الآن يخلط بأن حماس
منظمة إرهابية أو جهة منتخبة من الشعب الفلسطيني وتخلط بالقاعدة وغيرها.
الحقيقة أن الشعب الفلسطيني ما زال يرزح تحت الضغط والقمع، سواء في المناطق
المحتلة حاليا من الأراضي الفلسطينية في 48 أو أراضي 67، أو أراضي السلطة
الفلسطينية، وكأنها لا رابط بينها.
إذا أردت أن تطلعي من رام الله إلى غزة، عليك
أن تعبري الأراضي المحتلة لتروحي للجزء الثاني من أرضك؛ هذا غير إن تحدثنا
عن المخيمات واللاجئين وحقوقهم المنقوصة حتى في الدول العربية وعدم حصولهم
على حقوقهم الإنسانية تحت ذريعة حتى ما تفقدوا حقكم في العودة. وهكذا،
المأساة مستمرة من أكثر من ستين سنة. نحن لازم كل يوم صباحا أن نذكر أنفسنا
أن هذه مأساة قائمة وهي قضيتنا المركزية والأساسية، أنا كل يوم الصبح لازم
أذكر ابني بأن الإسرائيليين -وليس اليهود- أعداؤك وقد احتلوا أرضك وجدتك
كان عندها بيت هناك. برأيي هذه هي المسألة: يجب أن لا ننسى.
ومن يفكر بهذه الأرض من منطلق ديني وتاريخي،
نعم هي أرض لكل الحضارات والديانات، لكن من يتحدث عن الديانات فقط اليوم؟
هذا الخلط هم صنعوه. هذه الأرض بدأت منها كل الديانات، لكن الصهيونية هي
مذهب تفكير شرير، إسرائيل شريرة وهذه حقيقة. وإذا في يوم من الأيام ضمن
اتفاقية سلام أو معاهدة تطبيع ننسى هذا، نكون عما نضيع حالنا'.
* نحن في مهرجان سينمائي أبو ظبي، من حيث
تقديم العروض ونوعية الأفلام التي تقدمت والتنظيم، وطبعا غياب السينما
السورية والفلسطينية بعض الشيء عن الحضور؟
* 'أنا حضرت في عدة دورات سابقة للمهرجان،
دائما كان التنظيم ونوعية العروض وأهميتها جيدة، لكن هذه الدورة أنا جئت
متأخرة لأن دعوتي على افتتاح 'فيلم 18 يوم على الثورة المصرية'، أعجبني هذا
العمل حيث يضم مجموعة أفلام تتفاوت في مستواها وبينها أفلام أهم من أفلام،
لكن التجربة كلها تستحق الاهتمام وتفتح آفاقا للتساؤل. كان مهما بالنسبة
لي أن أنظر إلى هذا الزمن القصير الذي أنجزت فيه، لأن الفن دائما يحتاج
لوقت حتى يمكن تقديم أشياء عن حدث سياسي، أو حدث اجتماعي، لكن في زمن بسيط
جدا نرى أن مجموعة من السينمائيين المهمين في مصر، سواء كتاب أو مخرجين
ومنتجين وممثلين، استطاعوا أنهم يقوموا بأعمال بسيطة تعبر عن فكرة الثورة
وتطرحها من وجهة نظر فنية وشخصية، وليس من وجهة نظر إخبارية ليس لها علاقة
بالشريط الإخباري الذي يمر بأسفل الشاشة، أو بعدد الشهداء. ما كان يحكي عن
الناس وقضايا مختلفة، ولا كان يحاول أن يحاكم أي شريحة من شرائح المجتمع،
بل يحاول أن يطرحها من مكانها الحقيقي بشكل فني.
أما بالنسبة لغياب السينما عندنا وعندكم، لم
يكن عندي معلومات عن أسباب هذا الغياب: هل الأسباب قلة الأعمال السينمائية
الجديدة أو ما يجري بالداخل السوري. لكني شاهدت الفيلم الروائي الإماراتي
'ظل البحر' للمخرج نواف الجناحي، وهو تجربة جيدة بالنسبة لصناعة سينما في
بدايتها، الفيلم جيد وهو يحاول أن يضع نفسه على خارطة السينما الحقيقية
وليس بمنطق التجربة، هذا شيء مهم جدا، خاصة أن السينما في الخليج لم تطرح
بشكل فني راسخ، ما زلنا نرى تجارب دراما تلفزيونية، تجارب سينمائية معدودة،
وقدمت من سينما الكويت، لكن 'ظل البحر' له علاقة بالحداثة في السينما
الإماراتية.
طبعا هنا يوجد دعم دولة، نتمنى أن يكون في كل
البلدان موجود دعم دولة للسينما، لأن السينما لا تقوم بجهود منتجين
مستقلين مهما كانوا مهمين، والصناعة السينمائية دائما تحتاج إلى دعم الدولة
كما صار في الاتحاد السوفيتي والصين والجزائر في السنوات الأخيرة، وكذلك
في إيران، وعلى اختلاف توجهات هذه الدول سياسيا أو اجتماعيا.
إذا الدولة دعمت هذا الجانب يتفاعل ويتطور
لأن مرجعية الدولة لا تكون مرجعية ربحية، تكون بمرجعية تأسيسية، كما هو
الحال في مصر، هناك صناعة السينما ضمت عددا من الفنانين العرب على مدى
تاريخها وما زالت حاضرة بغض النظر عن المنتجين بغرض تجاري أو فنيي وأيضا
المستقلين'.
* هناك أرشيف سينمائي لكل دولة، وهناك أيضا
الدراما التلفزيونية أصبح لها جمهورها الواسع، وأنت نجمة من نجوم الدراما،
رؤيتك للوضع الدرامي في سوريا من خلال ما يحدث في الشارع، هل سيكون له
تأثير للأفضل أو العكس؟
* 'إذا لم يحصل تغيير في الدراما يعني أن
عندنا مشكلة حقيقية، لأننا نحن لم نأت من فراغ، يفترض أن نكون انعكاسا
لأشياء نقدمها بشكل فني.
بصراحة لم يعد مقبولا بعد ما يحدث أن نذهب
ونعمل فوازير رمضان أو أمثالها من أعمال التهريج والمحاولات الاجتماعية
البسيطة والشبيهة بالأشياء التي قدمت سابقا، بعيدا عما يهم الناس في
الشارع، هناك مهمة أكبر من أن الفنانين يقفون ويخطبون على المنابر السياسية
ليعبروا عن آرائهم ويحكوا عن أنفسهم بأنهم مهمون، ولكن المهم بالأخير
جهودك وأعمالك بما قدمت هي التي تبين من أنت وهي التي تجعل عندك مرجعية
ومصداقية ولما تحكين عن أي شيء الناس تصدقه. لا يمكن أن تحكي لي عن فلسطين
وأنت لم تعملي أي عمل عن القضية الفلسطينية، ولا تقدرين أن تحكي عن التغيير
وأنت لم تقومي بعمل أشياء تخدم خط التغيير، وأيضا من يحكي عن الشباب ولم
يقدم أي عمل يستمتع فيه من يشاهده من الجيل الجديد.
بهذا المنطق، نحن لازم نشوف حالنا وننقد
أنفسنا ونعيد النظر بما قدمنا. أنا لا أتحدث عن الدراما السورية فقط، لكن
عن الدراما العربية بشكل عام، ولا بد أن نعيد النظر في الطريقة التي نشاهد
فيها القصص، ولازم نكون جديين أكثر ونحاسب أنفسنا على مستوى وعي الناس في
الشارع، لأننا مهما تحدثنا عن أنفسنا لا يمكن أن نقنع الناس، لأن الناس
عندهم مستوى وعي.
وإذا تقدم له شيء مستهلك سوف يرفضونه ويرمون صاحبه.
هنا مسؤوليتنا بأن نكون على وعى أكثر لما
نقدمه ونأخذه بجدية. وحين نرى أن مسلسل كذا مهم لدرجة يسكر الشارع ولا يبقى
مواطن في الطريق عند عرض هذا المسلسل، معنى هذا أنه يؤثر بالناس ويلمس
قضاياهم بصدق، وهذا يطالبنا بأن نهتم أكثر ونحس بأهمية العمل، ونكون
مستعدين لحمل المسؤولية وعمل الأفضل. إذا كان مليون مواطن عربي يشوفونني
بنفس الثانية، معنى هذا أن المشكلة التي أطرحها مشكلتي ومشكلة أكثر
المشاهدين، والكلمة التي أحكيها محسوبة علي، والحركة التي أتحركها فيها لها
معنى، الناس يتماهون مع الشخصيات العامة، لذلك لا يجب أن يأخذ الممثل
الدور بسهولة عليه أن يضع نفسه في المسؤولية عما يقدمه'.
* ذكرت أن الفنان يتماهي مع المشاهد ونجاحه
يأخذه من محبيه، لكن البعض وخاصة بعض الفنانات يأخذهم الغرور عندما يصلن
للنجومية، هل النجومية فعلا تغير السلوك والتعامل مع الآخرين؟ كيف يجب أن
يتعامل الإنسان الناجح مع محبيه؟
* 'أقول لك فقط أن الإنسان ما تنطلي عليه
ويصدق حاله، هناك مسار مهنة طويلة فيها نجاحات وإخفاقات، وعلى الشخص الناجح
أن ينتبه لتصرفاته مع الآخرين، وأنا أحس أن صفة النجم أو النجمة هي منفصلة
عن الممثل، النجمة عندها متطلبات في المظهر والحياة وكمالياتها، وبالنسبة
لي لا يعني لي هذا الموضوع شيئا وليس عندي استعداد أن أبذل المجهود الذي
يبذله النجوم، ولنضع الكلمة بين قوسين. ربما كان اللباس الذي أرتاح تي شيرت
وبنطلون الجينز وأطلع، ما يهمني هو أن أعرف ما هو الشيء الذي أشارك فيه
الناس، ولا يكون هناك من حواجز بيني وبينهم مثل التعالي والغرور.
أنا أحب أن أحكي عن شغلي الذي قدمته، لا أحب
التنظير، بل يهمني كل ما له علاقة بالبحث والتحليل وأناقش بالشغل، وإذا كان
فيه شيء بناء ومفيد، وإلا لا داعي له. بهذا المعنى يظل الفنان حقيقيا مع
نفسه. وأنا لا أنكر أني قدمت بعض الأعمال وكانت غير مهمة، جاءت لأسباب
معينة، لكني كنت أبذل فيها أقصى مجهود، ولا يمكن أن أستهون أي عمل ما دام
يحمل اسمي'.
* الفنان يحب أكثر أعماله، لكن صبا أي من أعمالك يتميز؟ وبأي عمل تعتبرين نفسك أجدت فيه أكثر من غيره؟ وما هو جديدك الآن؟
* 'بالتأكيد أحب أكثر أعمالي، مثل 'الاجتياح'
لشوقي الهاجري، 'الشمس تشرق من جديد' لهيثم حقي، 'بنتين من مصر' لمحمد
أمين. أما بالنسبة للأعمال الجديدة، انتهيت قريبا من عمل مسرحي لسوسن دروزة
اسمه 'الحادثة' يتحدث عن الأيام التي نعيشها الآن، وعندي قراءة لأكثر من
سيناريو'.
* هل يمكن العودة من جديد للمسرح؟
* 'يوجد تقصير بالأعمال المسرحية، بل هناك
عملية مسرحية تنهار بالعالم، لأن التلفزيون يدخل كل بيت بينما المسرح إطار
فني جدا، ويبدو أن العالم لا يريد أن يقوم بعمل شيء فيه الكثير من الإبداع
والجهد الفني. بما يخصني أنا لا أشتغل مسرحية إلا عندما أحس أن هذا الشكل
لا أقدر أعبر عنه إلا لما أكون واقفة على الخشبة بهذا النفس والتواصل. هذا
السبب هو حاجتي لخطاب معين، أنا وسوسن شعرنا به ورأينا أنه لا يتحقق إلا من
خلال هذا التواجد الحي والمباشر، لذلك قدمنا العمل من جديد وافتتحنا عرضين
في موسم المحترفين في الأردن، وسوف نقوم بجولة لعرض المسرحية'.
* نعود للسياسة وما يجري في الشارع السوري
كما تعرفين أن بعض الفنانات مي سكاف وغيرها من الفنانين نزلوا مع الثوار،
والبعض منهم وضعوا الثوار على القائمة السوداء، برأيك هل على الإعلام أن
يركز عليه ويحرجه في الأمور السياسية؟ أو الفنان له موقف ويجب أن يظهر هذا
الموقف في هذه القضايا الهامة؟
* 'الفنان له موقف يجب أن يظهر موقفه، لكننا
أحيانا بسبب قلة وعينا السياسي، لا نعرف أن نحدد موقفنا، وإذا كنت لا
تعرفين أن تحددي موقفك عليك أن تسكتي. وحتى لو كان عندك موقف واضح يجب أن
تكوني حذرة بالكلام. نحن غير سياسيين، ونحكي انطباعات، من حقنا أن نجاهر
فيها، لكن ليس من حقنا الادعاء بأننا نقود جماهير وراءنا.
برأيي، أي شيء على المستوى الإنساني والشخصي
يمكن عمله، أما إذا كان على المستوى العام لتسويق شيء ما أو لمهاجمة شيء ما
هو شيء شرير وضار، فمن العيب أن الناس في زمن الأزمات تدعي البطولة أو
تركب الموجة، كما أن التخوين عيب، على قول سيدنا المسيح: 'من كان منكم بلا
خطيئة فليرمها بحجر'.
كثير من الناس هم مثل أي مواطن بالشارع،
'تخربطوا في لحظات وما عرفوا شو يعملوا'. على المستوى الشخصي سوف أحكي بكل
أمانة وليس بالضرورة أن يمثل وجهة نظر أحد، لكن سأحكي الشيء الذي لا أندم
عليه، أحكي ضميري ولا أبرر لأكسب محبة أحد.
مسألة قوائم الشرف والعار هي مسألة خطيرة جدا
بصراحة، تذكرني بقوائم الستينات لما كانوا يحرقون تاريخ أي شخص لمجرد أنه
شيوعي، أو بالاتحاد السوفيتي كأن يشتبه بأنه أحد مسيحي، بأي فيلم يعمل أو
قصيدة تكتب كانوا يحرقون وينسفون تاريخه كله وكأنه ما هو إنسان، وكذلك
الأمر بعهد الفاشستيين.
لكن هذه التصرفات يبدو منها مظاهر حتمية لمرحلة تاريخية تتغير، وهذا حسب رأي عيب وغلط كبير أن نحاكم الناس على النوايا أحيانا.
الأشياء تفرز بعد التجربة ومرور الوقت، من
سمح لأحد ما أن يحط فلانا من الناس على قائمة سوداء، أو على قائمة بيضاء؟
الإنسان لا يحكم على الزمن من الحاضر فقط، الأشياء دائما بحاجة لمسافة
وبحاجة لمدة حتى تنكشف الأشياء، وأنا لست مع تصنيف الناس حسب المزاج.
من أنت حتى تقوم بهذه الوصاية؟ تعال نحلل
تاريخك، وليش اليوم حكيت وكنت ساكت في ذلك الزمن، وأنت نفسك واقع تحت نفس
الضغط؟ علينا أن نعرف أن كثيرا من الناس ينافقون وكأنهم يهرجون، ولا يحسون
بالمسؤولية.
إذن الأمور بحاجة لتفاهم نحن بوضع عما يتغير،
والكلمة محسوبة علينا، فعلا هناك إشكال كيف تتوجه هذه الكلمة وكيف يتم
التعاطي معها، وأحيانا الإعلام للأسف يشكل جزءا كبيرا بخربطة صياغة هذا
الشخص وتقديمه بشكل سيئ. أحيانا نكتفي بالقول (ويل للمصليين) أو نحذف جملتك
من سياقها وتتقدم بشكل آخر'.
* الإعلام يشارك في كثير من سوء الفهم أحيانا، وخاصة الذي يتبع لجهات سياسية وينفذ أجندات، والبعض يشبهه باستديوهات حربية؟
* 'أنا أصبحت أرى بعض القنوات الإعلامية مثل الصحافة الصفراء، أو كما يجب أن نقول فيها مثل 'كلمة حق أريد بها باطل'.
عندنا كثير من القضايا الهامة التي تتغير في
بلادنا، لكنها قد تكون بالنسبة للمحطة الفضائية ليست أكثر من مادة إعلانية.
أين نحن من زمن الإعلام الحقيقي الملتزم والمحافظ على المصداقية؟ اليوم لا
نعرف كم خبر عاجل يقدم على المحطات ويكون عبارة عن كذبة، لذلك أقول
الصحافة الصفراء. لكن نحن يجب أن نكون حريصين على الوعي وأن نتوخى الحقيقة
ونلتزم بها وأن نأخذها من مصادر متعددة.
للأسف، نرى أن شكل الدنيا متجه للاستهلاك، كل
شيء للطحن، أبطال اليوم غدا يحرقونهم، ومن كان باليمين يصير في أقصى
اليسار. ونحن المواطنين، يجب أن لا نكون ألعوبة بأيدي أي ماكينة إعلامية،
لا ماكينات نظام ولا ماكينات قنوات تجارية تحمل يافطة المعارضة وأصحابها
ينظرون إلى مربحهم المباشر'.
* لا بد لي أن أشكرك جدا باسم 'صحيفة القدس'
وقرائها على هذا اللقاء، وإن كنت في هذه الأيام المليئة بالأحداث الساخنة،
لم أستطيع التوغل أكثر في عالمك الفني وتجربتك الغنية، لذلك أترك لك الكلمة
الأخيرة.
* 'أنا فقط أقول وأتمنى أن يأتي يوم من الأيام وندخل فيه إلى مدينة القدس، ونتجول بشوارعها وحاراتها بكل حرية'.
خبرني- قدمت الفنانة صبا مبارك العديد من
الأدوار في الدراما العربية والسورية خاصة، وقدمت أعمالا لأهم المخرجين
الكبار، وهي التي تؤمن بأن إرادة التغيير عند الشعوب بدأت ولن تتوقف، وفي
مسرحية 'الحادثة' التي شاركت فيها تتحدث المسرحية بالتلميحات والانتقادات
الاجتماعية والسياسية على ما يحدث في مجتمعنا العربي.
صحيفة القدس العربي اجرت معها الحوار التالي الذي نشر الاثنين :
* بغض النظر عن تاريخك الفني في السينما أم
الدراما، لكن احتراما للشباب والشابات الذين بدؤوا مسيرة التغيير الشامل
بإزالة الخوف من أنفسنا، سوف نبدأ من الشارع العربي مع الاحتجاجات
والثورات، كيف تنظرين إلى هؤلاء الشباب وهذه الشجاعة التي قدموها وما زالوا
يقدمونها لإزالة الحكام الدكتاتوريين؟
* 'هي أن الفكرة بعيدا عن فكرة الثورة
بذاتها، إذا بدأنا نحكي عن الثورة، أنا أظن أن المهم الذي صار اليوم في
الشارع العربي صار كما قلت في كسر للفوبيا (عقدة الخوف)، بمعنى لم يعد عند
المواطن العربي رعب بأن يقول ما يحس به، ولا رعب بأن يطالب بتغيير واقعه
الغير سليم بالنسبة له، وقد بدأت إرادة التغيير عند الشعوب. إذن نحن مش
قطيع، نحن مش ناس ميتين، أو ناس مخدرين، نحن ناس نحس ولنا آمال وطموحات،
وعندنا إرادة لصنع مستقبل أفضل.
هذا الشيء الذي يجعل أي شاب أو صبية، وبعيدا
عن الأسباب، يطلعون إلى الشارع. أما الثورة، إذا أردنا أن نحكي عنها بشكلها
الواضح والمباشر ما هي إلا خطوة بداية.
وأنا برأيي أن الأهم ما يأتي بعد ذلك. وإذا
الشباب العربي كان قادرا أن يغير شكل المرحلة الحاضرة، لازم أن يكون حذرا
كثيرا وآمنا على مستقبل هذا التغيير الذي عمله للمستقبل. البلاد التي غيرنا
وجهها كشباب عربي، لازم نحافظ عليها حتى لا نفقد هويتها، ولا نفقد هذا
الحلم الذي كنا نسعى له بالحرية والعدالة، حتى ما نفقد هذا ويبقى أنه كان
هدفنا أن نطيح باسم ونجيب اسما آخر محله، ليست هذه هي المسألة'.
* كفنانة من فلسطين لذلك سيكون سؤالي التالي
عن فلسطين، هل قضية فلسطين ما زالت كما كانت دائما في قلوب الأجيال العربية
تنمو معهم وتترسخ مع كل جيل جديد؟ وكيف سيكون تأثير الشارع العربي برأيك
على القضية الفلسطينية وعلى وضع إسرائيل كقوة سياسية متغطرسة في المنطقة؟
* 'أول خاطر خطر لي مع أول ثورة صارت في
تونس، دائما كان يخطر لي بأن هذه الثورات سوف تنتهي بانتفاضة فلسطينية
ثابتة، لأنه وبعيدا عن كل ما يصير وفي اللحظة التي ننسى فيها أن قضيتنا
المركزية هي فلسطين، مش لأني فلسطينية، أنا والدتي فلسطينية وأبي أردني على
فكرة، لكن هذا لا يعني أني أنا مش فلسطينية، كل مواطن عربي بداخل قلبه هو
فلسطيني بشكل أو بآخر، هذه قضية هي قضيتنا المركزية.
أما هذه الغطرسة الإسرائيلية فهي التي جعلت
كل العالم كأنه مغفل ومغمض عيونه عن حقيقة فلسطين. لما نرى اليوم القوى
الغربية تساند أي ثورة وتحكي عن حقوق الأطفال الذين يقتلون في الشارع، ولكن
بنفس الوقت عندهم حالة إنكار شديدة جدا لحقوق الطفل الفلسطيني الذي يقتل
كل يوم من أكثر من ستين سنة في الشارع.
وبالوقت الذي نطالب فيه بدولة فلسطينية يكون
من يقف ضدنا هو نفسه الذي رفع الفيتو من سنين طويلة، وهو نفسه الذي يتشدق
اليوم بحرية الشعوب.
المعادلة بالنسبة لي مركبة، ومش لازم تنطلي
على الناس وعلى المواطن بالشارع، لازم نتذكر دائما أن هناك قوى إمبريالية
في العالم لا تريد لدولة فلسطين أن تقوم. لما نحكي عن دولة فلسطين، لازم
ننتبه أن الشعب الفلسطيني هو واحد، أن المقاومة حق مشروع للشعب الفلسطيني،
وأن المقاومة لا يجب أن توسم بالإرهاب، وأن العالم لحد الآن يخلط بأن حماس
منظمة إرهابية أو جهة منتخبة من الشعب الفلسطيني وتخلط بالقاعدة وغيرها.
الحقيقة أن الشعب الفلسطيني ما زال يرزح تحت الضغط والقمع، سواء في المناطق
المحتلة حاليا من الأراضي الفلسطينية في 48 أو أراضي 67، أو أراضي السلطة
الفلسطينية، وكأنها لا رابط بينها.
إذا أردت أن تطلعي من رام الله إلى غزة، عليك
أن تعبري الأراضي المحتلة لتروحي للجزء الثاني من أرضك؛ هذا غير إن تحدثنا
عن المخيمات واللاجئين وحقوقهم المنقوصة حتى في الدول العربية وعدم حصولهم
على حقوقهم الإنسانية تحت ذريعة حتى ما تفقدوا حقكم في العودة. وهكذا،
المأساة مستمرة من أكثر من ستين سنة. نحن لازم كل يوم صباحا أن نذكر أنفسنا
أن هذه مأساة قائمة وهي قضيتنا المركزية والأساسية، أنا كل يوم الصبح لازم
أذكر ابني بأن الإسرائيليين -وليس اليهود- أعداؤك وقد احتلوا أرضك وجدتك
كان عندها بيت هناك. برأيي هذه هي المسألة: يجب أن لا ننسى.
ومن يفكر بهذه الأرض من منطلق ديني وتاريخي،
نعم هي أرض لكل الحضارات والديانات، لكن من يتحدث عن الديانات فقط اليوم؟
هذا الخلط هم صنعوه. هذه الأرض بدأت منها كل الديانات، لكن الصهيونية هي
مذهب تفكير شرير، إسرائيل شريرة وهذه حقيقة. وإذا في يوم من الأيام ضمن
اتفاقية سلام أو معاهدة تطبيع ننسى هذا، نكون عما نضيع حالنا'.
* نحن في مهرجان سينمائي أبو ظبي، من حيث
تقديم العروض ونوعية الأفلام التي تقدمت والتنظيم، وطبعا غياب السينما
السورية والفلسطينية بعض الشيء عن الحضور؟
* 'أنا حضرت في عدة دورات سابقة للمهرجان،
دائما كان التنظيم ونوعية العروض وأهميتها جيدة، لكن هذه الدورة أنا جئت
متأخرة لأن دعوتي على افتتاح 'فيلم 18 يوم على الثورة المصرية'، أعجبني هذا
العمل حيث يضم مجموعة أفلام تتفاوت في مستواها وبينها أفلام أهم من أفلام،
لكن التجربة كلها تستحق الاهتمام وتفتح آفاقا للتساؤل. كان مهما بالنسبة
لي أن أنظر إلى هذا الزمن القصير الذي أنجزت فيه، لأن الفن دائما يحتاج
لوقت حتى يمكن تقديم أشياء عن حدث سياسي، أو حدث اجتماعي، لكن في زمن بسيط
جدا نرى أن مجموعة من السينمائيين المهمين في مصر، سواء كتاب أو مخرجين
ومنتجين وممثلين، استطاعوا أنهم يقوموا بأعمال بسيطة تعبر عن فكرة الثورة
وتطرحها من وجهة نظر فنية وشخصية، وليس من وجهة نظر إخبارية ليس لها علاقة
بالشريط الإخباري الذي يمر بأسفل الشاشة، أو بعدد الشهداء. ما كان يحكي عن
الناس وقضايا مختلفة، ولا كان يحاول أن يحاكم أي شريحة من شرائح المجتمع،
بل يحاول أن يطرحها من مكانها الحقيقي بشكل فني.
أما بالنسبة لغياب السينما عندنا وعندكم، لم
يكن عندي معلومات عن أسباب هذا الغياب: هل الأسباب قلة الأعمال السينمائية
الجديدة أو ما يجري بالداخل السوري. لكني شاهدت الفيلم الروائي الإماراتي
'ظل البحر' للمخرج نواف الجناحي، وهو تجربة جيدة بالنسبة لصناعة سينما في
بدايتها، الفيلم جيد وهو يحاول أن يضع نفسه على خارطة السينما الحقيقية
وليس بمنطق التجربة، هذا شيء مهم جدا، خاصة أن السينما في الخليج لم تطرح
بشكل فني راسخ، ما زلنا نرى تجارب دراما تلفزيونية، تجارب سينمائية معدودة،
وقدمت من سينما الكويت، لكن 'ظل البحر' له علاقة بالحداثة في السينما
الإماراتية.
طبعا هنا يوجد دعم دولة، نتمنى أن يكون في كل
البلدان موجود دعم دولة للسينما، لأن السينما لا تقوم بجهود منتجين
مستقلين مهما كانوا مهمين، والصناعة السينمائية دائما تحتاج إلى دعم الدولة
كما صار في الاتحاد السوفيتي والصين والجزائر في السنوات الأخيرة، وكذلك
في إيران، وعلى اختلاف توجهات هذه الدول سياسيا أو اجتماعيا.
إذا الدولة دعمت هذا الجانب يتفاعل ويتطور
لأن مرجعية الدولة لا تكون مرجعية ربحية، تكون بمرجعية تأسيسية، كما هو
الحال في مصر، هناك صناعة السينما ضمت عددا من الفنانين العرب على مدى
تاريخها وما زالت حاضرة بغض النظر عن المنتجين بغرض تجاري أو فنيي وأيضا
المستقلين'.
* هناك أرشيف سينمائي لكل دولة، وهناك أيضا
الدراما التلفزيونية أصبح لها جمهورها الواسع، وأنت نجمة من نجوم الدراما،
رؤيتك للوضع الدرامي في سوريا من خلال ما يحدث في الشارع، هل سيكون له
تأثير للأفضل أو العكس؟
* 'إذا لم يحصل تغيير في الدراما يعني أن
عندنا مشكلة حقيقية، لأننا نحن لم نأت من فراغ، يفترض أن نكون انعكاسا
لأشياء نقدمها بشكل فني.
بصراحة لم يعد مقبولا بعد ما يحدث أن نذهب
ونعمل فوازير رمضان أو أمثالها من أعمال التهريج والمحاولات الاجتماعية
البسيطة والشبيهة بالأشياء التي قدمت سابقا، بعيدا عما يهم الناس في
الشارع، هناك مهمة أكبر من أن الفنانين يقفون ويخطبون على المنابر السياسية
ليعبروا عن آرائهم ويحكوا عن أنفسهم بأنهم مهمون، ولكن المهم بالأخير
جهودك وأعمالك بما قدمت هي التي تبين من أنت وهي التي تجعل عندك مرجعية
ومصداقية ولما تحكين عن أي شيء الناس تصدقه. لا يمكن أن تحكي لي عن فلسطين
وأنت لم تعملي أي عمل عن القضية الفلسطينية، ولا تقدرين أن تحكي عن التغيير
وأنت لم تقومي بعمل أشياء تخدم خط التغيير، وأيضا من يحكي عن الشباب ولم
يقدم أي عمل يستمتع فيه من يشاهده من الجيل الجديد.
بهذا المنطق، نحن لازم نشوف حالنا وننقد
أنفسنا ونعيد النظر بما قدمنا. أنا لا أتحدث عن الدراما السورية فقط، لكن
عن الدراما العربية بشكل عام، ولا بد أن نعيد النظر في الطريقة التي نشاهد
فيها القصص، ولازم نكون جديين أكثر ونحاسب أنفسنا على مستوى وعي الناس في
الشارع، لأننا مهما تحدثنا عن أنفسنا لا يمكن أن نقنع الناس، لأن الناس
عندهم مستوى وعي.
وإذا تقدم له شيء مستهلك سوف يرفضونه ويرمون صاحبه.
هنا مسؤوليتنا بأن نكون على وعى أكثر لما
نقدمه ونأخذه بجدية. وحين نرى أن مسلسل كذا مهم لدرجة يسكر الشارع ولا يبقى
مواطن في الطريق عند عرض هذا المسلسل، معنى هذا أنه يؤثر بالناس ويلمس
قضاياهم بصدق، وهذا يطالبنا بأن نهتم أكثر ونحس بأهمية العمل، ونكون
مستعدين لحمل المسؤولية وعمل الأفضل. إذا كان مليون مواطن عربي يشوفونني
بنفس الثانية، معنى هذا أن المشكلة التي أطرحها مشكلتي ومشكلة أكثر
المشاهدين، والكلمة التي أحكيها محسوبة علي، والحركة التي أتحركها فيها لها
معنى، الناس يتماهون مع الشخصيات العامة، لذلك لا يجب أن يأخذ الممثل
الدور بسهولة عليه أن يضع نفسه في المسؤولية عما يقدمه'.
* ذكرت أن الفنان يتماهي مع المشاهد ونجاحه
يأخذه من محبيه، لكن البعض وخاصة بعض الفنانات يأخذهم الغرور عندما يصلن
للنجومية، هل النجومية فعلا تغير السلوك والتعامل مع الآخرين؟ كيف يجب أن
يتعامل الإنسان الناجح مع محبيه؟
* 'أقول لك فقط أن الإنسان ما تنطلي عليه
ويصدق حاله، هناك مسار مهنة طويلة فيها نجاحات وإخفاقات، وعلى الشخص الناجح
أن ينتبه لتصرفاته مع الآخرين، وأنا أحس أن صفة النجم أو النجمة هي منفصلة
عن الممثل، النجمة عندها متطلبات في المظهر والحياة وكمالياتها، وبالنسبة
لي لا يعني لي هذا الموضوع شيئا وليس عندي استعداد أن أبذل المجهود الذي
يبذله النجوم، ولنضع الكلمة بين قوسين. ربما كان اللباس الذي أرتاح تي شيرت
وبنطلون الجينز وأطلع، ما يهمني هو أن أعرف ما هو الشيء الذي أشارك فيه
الناس، ولا يكون هناك من حواجز بيني وبينهم مثل التعالي والغرور.
أنا أحب أن أحكي عن شغلي الذي قدمته، لا أحب
التنظير، بل يهمني كل ما له علاقة بالبحث والتحليل وأناقش بالشغل، وإذا كان
فيه شيء بناء ومفيد، وإلا لا داعي له. بهذا المعنى يظل الفنان حقيقيا مع
نفسه. وأنا لا أنكر أني قدمت بعض الأعمال وكانت غير مهمة، جاءت لأسباب
معينة، لكني كنت أبذل فيها أقصى مجهود، ولا يمكن أن أستهون أي عمل ما دام
يحمل اسمي'.
* الفنان يحب أكثر أعماله، لكن صبا أي من أعمالك يتميز؟ وبأي عمل تعتبرين نفسك أجدت فيه أكثر من غيره؟ وما هو جديدك الآن؟
* 'بالتأكيد أحب أكثر أعمالي، مثل 'الاجتياح'
لشوقي الهاجري، 'الشمس تشرق من جديد' لهيثم حقي، 'بنتين من مصر' لمحمد
أمين. أما بالنسبة للأعمال الجديدة، انتهيت قريبا من عمل مسرحي لسوسن دروزة
اسمه 'الحادثة' يتحدث عن الأيام التي نعيشها الآن، وعندي قراءة لأكثر من
سيناريو'.
* هل يمكن العودة من جديد للمسرح؟
* 'يوجد تقصير بالأعمال المسرحية، بل هناك
عملية مسرحية تنهار بالعالم، لأن التلفزيون يدخل كل بيت بينما المسرح إطار
فني جدا، ويبدو أن العالم لا يريد أن يقوم بعمل شيء فيه الكثير من الإبداع
والجهد الفني. بما يخصني أنا لا أشتغل مسرحية إلا عندما أحس أن هذا الشكل
لا أقدر أعبر عنه إلا لما أكون واقفة على الخشبة بهذا النفس والتواصل. هذا
السبب هو حاجتي لخطاب معين، أنا وسوسن شعرنا به ورأينا أنه لا يتحقق إلا من
خلال هذا التواجد الحي والمباشر، لذلك قدمنا العمل من جديد وافتتحنا عرضين
في موسم المحترفين في الأردن، وسوف نقوم بجولة لعرض المسرحية'.
* نعود للسياسة وما يجري في الشارع السوري
كما تعرفين أن بعض الفنانات مي سكاف وغيرها من الفنانين نزلوا مع الثوار،
والبعض منهم وضعوا الثوار على القائمة السوداء، برأيك هل على الإعلام أن
يركز عليه ويحرجه في الأمور السياسية؟ أو الفنان له موقف ويجب أن يظهر هذا
الموقف في هذه القضايا الهامة؟
* 'الفنان له موقف يجب أن يظهر موقفه، لكننا
أحيانا بسبب قلة وعينا السياسي، لا نعرف أن نحدد موقفنا، وإذا كنت لا
تعرفين أن تحددي موقفك عليك أن تسكتي. وحتى لو كان عندك موقف واضح يجب أن
تكوني حذرة بالكلام. نحن غير سياسيين، ونحكي انطباعات، من حقنا أن نجاهر
فيها، لكن ليس من حقنا الادعاء بأننا نقود جماهير وراءنا.
برأيي، أي شيء على المستوى الإنساني والشخصي
يمكن عمله، أما إذا كان على المستوى العام لتسويق شيء ما أو لمهاجمة شيء ما
هو شيء شرير وضار، فمن العيب أن الناس في زمن الأزمات تدعي البطولة أو
تركب الموجة، كما أن التخوين عيب، على قول سيدنا المسيح: 'من كان منكم بلا
خطيئة فليرمها بحجر'.
كثير من الناس هم مثل أي مواطن بالشارع،
'تخربطوا في لحظات وما عرفوا شو يعملوا'. على المستوى الشخصي سوف أحكي بكل
أمانة وليس بالضرورة أن يمثل وجهة نظر أحد، لكن سأحكي الشيء الذي لا أندم
عليه، أحكي ضميري ولا أبرر لأكسب محبة أحد.
مسألة قوائم الشرف والعار هي مسألة خطيرة جدا
بصراحة، تذكرني بقوائم الستينات لما كانوا يحرقون تاريخ أي شخص لمجرد أنه
شيوعي، أو بالاتحاد السوفيتي كأن يشتبه بأنه أحد مسيحي، بأي فيلم يعمل أو
قصيدة تكتب كانوا يحرقون وينسفون تاريخه كله وكأنه ما هو إنسان، وكذلك
الأمر بعهد الفاشستيين.
لكن هذه التصرفات يبدو منها مظاهر حتمية لمرحلة تاريخية تتغير، وهذا حسب رأي عيب وغلط كبير أن نحاكم الناس على النوايا أحيانا.
الأشياء تفرز بعد التجربة ومرور الوقت، من
سمح لأحد ما أن يحط فلانا من الناس على قائمة سوداء، أو على قائمة بيضاء؟
الإنسان لا يحكم على الزمن من الحاضر فقط، الأشياء دائما بحاجة لمسافة
وبحاجة لمدة حتى تنكشف الأشياء، وأنا لست مع تصنيف الناس حسب المزاج.
من أنت حتى تقوم بهذه الوصاية؟ تعال نحلل
تاريخك، وليش اليوم حكيت وكنت ساكت في ذلك الزمن، وأنت نفسك واقع تحت نفس
الضغط؟ علينا أن نعرف أن كثيرا من الناس ينافقون وكأنهم يهرجون، ولا يحسون
بالمسؤولية.
إذن الأمور بحاجة لتفاهم نحن بوضع عما يتغير،
والكلمة محسوبة علينا، فعلا هناك إشكال كيف تتوجه هذه الكلمة وكيف يتم
التعاطي معها، وأحيانا الإعلام للأسف يشكل جزءا كبيرا بخربطة صياغة هذا
الشخص وتقديمه بشكل سيئ. أحيانا نكتفي بالقول (ويل للمصليين) أو نحذف جملتك
من سياقها وتتقدم بشكل آخر'.
* الإعلام يشارك في كثير من سوء الفهم أحيانا، وخاصة الذي يتبع لجهات سياسية وينفذ أجندات، والبعض يشبهه باستديوهات حربية؟
* 'أنا أصبحت أرى بعض القنوات الإعلامية مثل الصحافة الصفراء، أو كما يجب أن نقول فيها مثل 'كلمة حق أريد بها باطل'.
عندنا كثير من القضايا الهامة التي تتغير في
بلادنا، لكنها قد تكون بالنسبة للمحطة الفضائية ليست أكثر من مادة إعلانية.
أين نحن من زمن الإعلام الحقيقي الملتزم والمحافظ على المصداقية؟ اليوم لا
نعرف كم خبر عاجل يقدم على المحطات ويكون عبارة عن كذبة، لذلك أقول
الصحافة الصفراء. لكن نحن يجب أن نكون حريصين على الوعي وأن نتوخى الحقيقة
ونلتزم بها وأن نأخذها من مصادر متعددة.
للأسف، نرى أن شكل الدنيا متجه للاستهلاك، كل
شيء للطحن، أبطال اليوم غدا يحرقونهم، ومن كان باليمين يصير في أقصى
اليسار. ونحن المواطنين، يجب أن لا نكون ألعوبة بأيدي أي ماكينة إعلامية،
لا ماكينات نظام ولا ماكينات قنوات تجارية تحمل يافطة المعارضة وأصحابها
ينظرون إلى مربحهم المباشر'.
* لا بد لي أن أشكرك جدا باسم 'صحيفة القدس'
وقرائها على هذا اللقاء، وإن كنت في هذه الأيام المليئة بالأحداث الساخنة،
لم أستطيع التوغل أكثر في عالمك الفني وتجربتك الغنية، لذلك أترك لك الكلمة
الأخيرة.
* 'أنا فقط أقول وأتمنى أن يأتي يوم من الأيام وندخل فيه إلى مدينة القدس، ونتجول بشوارعها وحاراتها بكل حرية'.
Similar topics
» لماذا رفض مهند الزي العربي؟
» مسلسل المواطن مصري اكس الحلقة الثانية - مشاهدة مسلسل المواطن مصري X الحلقة 2 - تحميل الحلقة 2 مسلسل المواطن مصري اكس
» ماجدة الرومي: الوطن العربي يتغير
» سيرين عبدالنور: أنا الأفضل في العالم العربي
» رشا مهدي: “وقعت في حب “المواطن إكس” منذ أن قرأت السيناريو”
» مسلسل المواطن مصري اكس الحلقة الثانية - مشاهدة مسلسل المواطن مصري X الحلقة 2 - تحميل الحلقة 2 مسلسل المواطن مصري اكس
» ماجدة الرومي: الوطن العربي يتغير
» سيرين عبدالنور: أنا الأفضل في العالم العربي
» رشا مهدي: “وقعت في حب “المواطن إكس” منذ أن قرأت السيناريو”
Page 1 of 1
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum